يتم تداوله الان!

قصة نجاح شركة نبتة السعودية ومنهجها الملهم لأصحاب الشركات الناشئة

طارق مصطفى
المؤلف طارق مصطفى
تاريخ النشر
آخر تحديث

قصة نجاح شركة “نبتة” السعودية الملهمة لاصحاب الشركات الناشئة

الشركات الناشئة

خاص لاصحاب الشركات الناشئة

اذا كنت من اصحاب الشركات الناشئة فاقرأ هذا المقال بعناية. انطلق مشروع “نبتة” انطلاقاً من شغف مؤسسيه بالتراث النباتي السعودي والفوائد الصحية للنباتات الطبيعية في العناية بالبشرة. لاحظ الفريق المؤسس اتجاهاً قوياً لدى المستهلكين السعوديين نحو المنتجات العضوية والطبيعية، وهو ما أثبته بحث سوقي حديث حيث سجلت المملكة «تفضيلاً متزايداً لمنتجات العناية الشخصية الطبيعية والعضوية والمستدامة». استُلهِمَ اسم “نبتة” من حرفية العمل بالطبيعة (نبتة تعني «نبات» بالعربية)، وسرعان ما استقرّت رؤية الشركة على توفير تركيبات مستخلصة من الأعشاب العربية الأصيلة، لتلائم احتياجات السوق السعودية المتنامية. هذه البداية التأسيسية المتأصلة في روح الابتكار تجعل “نبتة” واحدةً من قصص النجاح الملهمة بين الشركات الناشئة في المملكة، إذ تتوافق أهدافها مع رؤية 2030 الداعمة لتمكين رواد الأعمال وتنويع الاقتصاد السعودي.

دراسة الجدوى الواقعية للشركات الناشئة

بدأ فريق “نبتة” عمله بإعداد دراسة جدوى شاملة، تضمنت تحليلاً للسوق المستهدفة والمنافسين والتوجهات العالمية في مستحضرات التجميل الطبيعية. شملت الدراسة تحديد حجم الطلب المتوقع وأسعار البيع المناسبة لكل منتج، إلى جانب تقدير التكاليف الثابتة والمتغيرة (كالمواد الخام، والتعبئة، والتسويق، والعمالة). كما تمّ إعداد نموذج مالي يوضح نقطة التعادل (Break-even) وهامش الربح المتوقع. لتحقيق هذا، اعتمد الفريق على خطوات منظمة تشمل:

  • تحليل السوق: قياس حجم السوق المحلية وتفضيلات المستهلكين، استناداً إلى بيانات موثوقة والتوجهات العالمية في العناية بالبشرة.

  • تحديد التكاليف: حُددت تكاليف المكونات الطبيعية (مثل الأعشاب والزيوت) والتصنيع والتعبئة والتغليف، بالإضافة إلى نفقات التشغيل (الإيجار والكهرباء والتسويق).

  • توقع الإيرادات: تم وضع سيناريوهات مبيعات واقعية بناءً على الأسعار المنافسة والطلب المتوقع، مع مراعاة نمو القطاع.

  • خطة مالية: تضمّنت مصادر التمويل والحسابات الضريبية والخروج بحسابات تدفق نقدي أولية وضبط ميزانية انطلاقية.

الشركات الناشئة

عموماً، جاءت نتائج دراسة الجدوى إيجابية، مما دفع الفریق للمضي قدماً في تنفيذ المشروع. وتُعدّ تجربة “نبتة” في التخطيط المالي شبيهة بما حدث في قصص نجاح عالمية لشركات ناشئة كثيرة؛ ففي مقابلة مع أريبيان بيزنس ذكرت هدى قطّان (مؤسِّسة علامة Huda Beauty) أنها بدأت مشروعها بعد اقتراض 6000 دولار فقط، لتصل علامتها في وقت لاحق إلى قيمة تزيد عن مليار دولار. هذا المثال يوضّح كيف أن التخطيط الماكتي (الدقيق) والميزانية المحسوبة بعناية يمكن أن تقود شركة ناشئة صغيرة نحو نمو كبير.

مصادر التمويل والاستثمار للشركات الناشئة

حظي تمويل المشروع باهتمام خاص من القائمين على “نبتة”، فتنويع المصادر كان أحد ركائز الاستراتيجية. في المراحل الأولى، اعتمدت الشركة على رأس المال الذاتي وتوفير جزء من التكاليف من مدخرات الفريق. إضافة إلى ذلك، حُصل على دعم من العائلة والأصدقاء باعتباره تمويلاً أولياً. أما المصادر الخارجية فقد شملت:

  • الدعم الحكومي والمؤسسي: استفادت “نبتة” من برامج دعم المنشآت الصغيرة والشركات الناشئة في السعودية (منشآت)، بالإضافة إلى برامج بنك التنمية الاجتماعية وبرامج تمويل النساء روّاد الأعمال (مثل مبادرة “ثلاث المرأة”). وقد خصّصت الحكومة السعودية استثمارات ضخمة لتعزيز منظومة التمويل، حيث أُعلن عن استثمار نحو 2.8 مليار ريال سعودي (750 مليون دولار) في صناديق رأسمال جريء لدعم الشركات الناشئة. كذلك يسّرت منصات تمويل حكومية تمويلاً بدون ضمانات (مثل برنامج كفالة) وتسهيلاً للبنوك لاقتراض المشاريع الصغيرة.

  • حاضنات الأعمال وصناديق التمويل: دخلت “نبتة” ضمن حاضنات أعمال تقنية وريادية (مثل Flat6Labs وغيرها) التي تقدّم برامج تمويل تمهيدية وخدمات استشارية. فهذه الحاضنات تزود الشركات الناشئة بأموال أولية (Seed Funding) وتوفر لها خبراء توجيه ومعارض استثمار، مما يسّهل استقطاب المستثمرين الملائكيين لاحقاً.

  • المستثمرون الملائكيون والاستثمار الجماعي: بفضل المصداقية التي بنتها من خلال دراسة الجدوى الجيدة والتخطيط المهني، استطاعت الشركة جذب استثمار ملاك محليين صغيرين، بالإضافة إلى فتح قناة تمويل عبر جماهيرية العلامة المحتملة (crowdfunding).

تجدر الإشارة إلى أن مشهد الاستثمار في السعودية متسارع؛ فقد بلغ رأس المال المستثمر في رأس المال الجريء (Venture Capital) بالمملكة مستويات غير مسبوقة مما يشجع ريادة الأعمال. علاوة على ذلك، تسعى برامج تمكين المرأة في المملكة لتعزيز مشاركة النساء في الاقتصاد، حيث أصبحت النساء يمتلكن نحو 45% من المنشآت الصغيرة والمتوسطة – ما يفسّر الفرص الكبيرة أمام الشركات الناشئة الموجهة للسوق النسائية مثل “نبتة”.

الشركات الناشئة


التحديات والصعوبات في التأسيس والتوسع

لم تكن مسيرة “نبتة” خالية من التحديات، فقد واجهت عدة عقبات شائعة لدى رواد الأعمال في قطاع التجميل: أولاً، تأمين جودة المكونات الطبيعية يصعب دوماً تحقيقها، إذ يتطلب ذلك بناء شراكات موثوقة مع موردين متخصصين والحصول على شهادات نقاء للمواد (كالأعشاب والزيوت). ثانياً، التنافسية العالية في سوق مستحضرات التجميل تجبر الشركات الجديدة على تقديم قيمة مضافة متميزة (كالتركيز على تركيبات نباتية فريدة وخدمة عملاء متميزة) لمنافسة العلامات العالمية والمحلية. ثالثاً، متطلبات الترخيص والتسجيل: إذ تخضع مستحضرات التجميل في السعودية لرقابة من هيئة الغذاء والدواء، مما استلزم على “نبتة” الالتزام بمعايير صارمة وفحوصات مخبرية للمنتج النهائي. أخيراً، تكمن صعوبة أخرى في الوصول إلى قنوات التوزيع الواسعة، حيث كان على الشركة بناء شبكة من الموزعين والتنسيق مع متاجر ومحال تجزئة جديدة، بالإضافة إلى التواجد الإلكتروني في منصات التجارة.

رغم هذه التحديات، استطاعت “نبتة” التغلب عليها بخطط مدروسة، فكانت المرونة والتعلم السريع هما المفتاح. فنجاحها في تجاوز العقبات أظهر مثابرة الفريق، ودلّ على أن الإصرار على جودة المنتج ورؤية واضحة يمكن أن تخفّف كثيراً من أثر الصعوبات الأولية.

خطوات التنفيذ من الإنتاج إلى التسويق والتوزيع

بدأت شركة “نبتة” تنفيذ خطتها الإنتاجية بالاهتمام بمرحلة التطوير والصياغة، حيث أسست مختبراً صغيراً لتجهيز الخلطات حسب الوصفات الطبيعية. ثم توجه الفريق إلى مرحلة الإنتاج الفعلي، فاختارت عبوات مصنوعة من الزجاج والبلاستيك المعاد تدويره لتعكس توجهها البيئي، وعملت مع مصنعين محليين لضمان إنتاج آمن بمعايير عالمية. عقب الإنتاج، تم الشروع في تصميم العلامة التجارية والتغليف؛ إذ استعانت الشركة بمصمم سعودي لإنتاج شعار جذاب وهوية بصرية متسقة تُبرز الطابع النباتي للمستحضرات.

على الصعيد التسويقي والتوزيعي، اتخذت “نبتة” استراتيجيات متعددة: أطلقت موقعاً إلكترونياً ومتعقباً رقمياً خاصاً بعلامتها، حيث تعرض المنتجات بالتفصيل وتتيح الطلب عبر الإنترنت. كما عمدت إلى الترويج عبر منصات التواصل الاجتماعي – خصوصاً الإنستغرام – بنشر محتوى تثقيفي عن فوائد النباتات ووصفات العناية، مستفيدة من أشهر المؤثرات في المجال لنشر تجربتها. لإيصال منتجاتها إلى المستهلكين، أقامت الشركة شراكات مع متاجر تجميل محلية ومراكز تسوق متخصصة في السعودية، إضافة إلى عروض ترويجية وتجريبية في معارض ومهرجانات محلية لتعريف العملاء بمنتجاتها. بالتوازي، وضعت فريقاً لخدمات العملاء والشحن لضمان تسليم الطلبات بسرعة وإرضاء المشترين.

الشركات الناشئة

عوامل النجاح الرئيسية التي ميزت “نبتة” كشركة ناشئة

لقد قامت “نبتة” على مجموعة من العوامل التي أدت إلى تميّزها وساعدتها في تحقيق النجاح: أولاً، الجودة العالية والتركيبات الطبيعية؛ فقد التزمت الشركة باستخدام مكونات نقية 100% من الطبيعة السعودية (مثل زيت الأركان والصبار والزعفران)، مما منح منتجاتها سمعة صحية آمنة وجذبت المهتمين بالمنتجات العضوية. ثانياً، فهم السوق وابتكار التميّز؛ اذ ركزت “نبتة” على معالجة مشاكل شائعة (كالتجاعيد، الجفاف والبشرة الحساسة) بتقنيات نباتية مبتكرة، تماشياً مع العوامل الراهنة التي تشجع على المنتجات الطبيعية.

ثالثاً، التركيز على الهوية البصرية والتسويق المبتكر؛ فقد وفّرت الشركة تجربة بصرية مميزة من خلال تغليف أنيق وبسيط وتصاميم تجمع بين الحداثة والعناصر العربية. وقد لعب الاحتراف في التسويق الرقمي دوراً رئيسياً، حيث استفادت من قصص نجاح إعلامية: فكما لاحظت تقارير صناعة التجميل “ازدياد وعي المستهلك بالأضرار المحتملة لبعض المواد الكيميائية مثل البرابين والألومنيوم، مما يزيد الطلب على مستحضرات التجميل الطبيعية”. استغلت “نبتة” هذا الوعي، فعرضت على عملائها شفافية تركيب المنتجات وفوائدها الصحية، ما ولد ثقة متبادلة مع المستهلكين.

رابعاً، الدعم المؤسسي والوطني؛ فقد أتاحت البيئة السعودية الداعمة – من خلال سياسات تمكين المرأة وريادة الأعمال – فرصةً لـ “نبتة” للتوسع بثقة. فوفقاً للإحصاءات الحكومية تملك النساء 45% من المنشآت الصغيرة والمتوسطة في المملكة، ويأتي مشروع “نبتة” كمثال حيّ على دور المرأة الريادي في هذا القطاع.

تجمع هذه العوامل بين الاستراتيجية الواضحة والابتكار المستدام، مما جعل “نبتة” علامة بارزة في قطاع العناية بالبشرة الطبيعية في السعودية، وشركة نموذجية في جودة منتجها ونجاعة تسويقها.

كيف تلهم تجربة “نبتة” روّاد الشركات الناشئة في السعودية

تشكل رحلة “نبتة” من فكرة تطمح للحفاظ على جمال البشرة بالوسائل الطبيعية إلى علامة تجارية ناجحة دليلاً عملياً لروّاد الأعمال في المملكة. فبالاعتماد على استراتيجية واضحة وابتكار مستمر، تُبرز التجربة دروساً قيّمة: منها أهمية البحث العميق في السوق (حتى تُقدّم منتجات تملأ فراغاً حقيقياً) والاستثمار في تصميم هوية مرئية جذابة تميز العلامة بين المنافسين. كما تُظهر “نبتة” أهمية تنويع مصادر التمويل – بين الاعتماد على التمويل الذاتي والبحث عن دعم خارجي حكومي وغير حكومي – لضمان انطلاق المشروع بقوة وعدم انقطاع السيولة.

الشركات الناشئة

علاوة على ذلك، تشجع قصة “نبتة” الشركات الناشئة على تبنّي ثقافة الابتكار المستدام؛ أي الجمع بين استثمار الأموال، وإدخال تقنيات جديدة (في التركيبات مثلاً)، والانفتاح على التغذية الراجعة من العملاء لتحسين المنتج باستمرار. إن التأكيد على جودة التصنيع والشفافية في المكونات كما فعلت “نبتة” يمكّن أي شركة ناشئة من بناء سمعة طيبة وشريحة عملاء وفية.

ختاماً، تُلهم تجربة “نبتة” روّاد الأعمال السعوديين بأن الصبر والمثابرة والجودة يمكن أن تؤتي ثمارها. فمشروع بسيط بدأ بدراسة جدوى دقيقة ومبلغ بسيط من المال يمكن أن يتحول إلى علامة ناجحة إذا روعيت الاستراتيجية الصحيحة وابتُكرت قيمة فعلية في السوق. وهذا يتوافق مع مبادئ تمكين الشركات الناشئة في المملكة، حيث يسعى الجميع – من جهات دعم حكومية ومستثمرين ومبتكرين – إلى تحويل الأفكار الطموحة إلى قصص نجاح ملموسة تسهم في تنويع الاقتصاد السعودي وريادة الصناعة المحلية.

المصادر: نُقِلت البيانات والإحصاءات من تقارير متخصصة وأخبار رسمية، منها تقرير سوق العناية الشخصية في السعودية، وتحليل سوق التجميل، ومقابلة مع هدى قطّان في أريبيان بيزنس، وكذلك كتابات حول مبادرات دعم ريادة الأعمال السعودية. 

تعليقات

عدد التعليقات : 0